لم يكن المشهد السياسي في البلاد بحاجة إلى حراك المجتمع المدني، من أجل التأكيد على وجود أزمة حقيقة في البلاد، كان هذا الأمر واضحاً منذ العام 2005، حيث ظهر بشكل جلي أن غياب "المايسترو" سيفقد السلطة الإيقاع القادر على ضبطها، وصولاً إلى تسوية الدوحة في العام 2008، برعاية إقليمية ودولية، التي جاءت كحل مؤقت لا يعالج أساس الداء، بل يعطي النظام القائم المسكنات التي يحتاجها من أجل البقاء على قيد الحياة بعض الوقت.
بعد الإنتخابات النيابية في العام 2009، عادت الأمور إلى نقطة الصفر من جديد، بالرغم من أن القوى السياسية قررت العيش معاً بالإكراه، لحين إسقاط حكومة سعد الحريري من قبل قوى الثامن من آذار، لتعود الضغوط الإقليمية والدولية لتنجح في إنتاج توافق على ولادة حكومة تمام سلام الحالية، من دون أن تتمكن حتى الساعة في تأمين توافق على إنتخاب خلف للرئيس السابق ميشال سليمان.
من وجهة نظر مصادر سياسية متابعة، البلاد دخلت منذ أشهر طويلة في أزمة حقيقية، لا يمكن الخروج منها في وقت قصير إلا عبر معجزة لا تزال تبدو بعيدة المنال، نظراً إلى غياب الدور الذي من الممكن أن تلعبه الجهات الدولية والإقليمية الفاعلة على الساحة اللبنانية، بسبب إنشغالها في ملفات أخرى أكثر أهمية بالنسبة لها، في حين عجزت القوى السياسية المحلية عن تأمين توافق قادر على إنجاز الإستحقاقات الداهمة من دون الدخول في المجهول.
وتشير هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى أن إنفجاز الأزمة في الأيام الأخيرة، من خلال الحراك القائم في الشارع الذي نجح إلى حد بعيد في كشف الخلل القائم على مستوى تكوين السلطة في البلاد، على إعتبار أن الجميع كان يدرك أن الصيغة الحالية لم يكن من الممكن أن تستمر طويلاً، إلا أن الإنتظار كان سيد الموقف لحين تبيان الخيط الأبيض من الأسود على مستوى أزمات المنطقة، حيث من المفترض أن تكون التسوية اللبنانية جزءاً من لعبة توازن القوى بين المحاور المختلفة.
وفي الوقت الذي ترى فيه المصادر نفسها أن المطلوب بات البحث عن حلول فعلية لا تكون على شكل مسكنات، تشدد على أن الإنتخابات الرئاسية لا يمكن أن تكون المخرج الحقيقي، خصوصاً أن الإتفاق بين القوى السياسية على مرشح أمر مستبعد، بسبب تمسك كل فريق بوجهة نظره الخاصة في هذا الملف، وتعتبر أن المفتاح الأساس قد يكون في جلسات الحوار التي دعا إليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر، ومن ثم حدد موعدها في التاسع من الشهر الجاري.
وتدعو هذه المصادر إلى أن يكون التركيز في جلسات الحوار المقبلة على إنجاز قانون جديد للإنتخابات النيابية، خلال وقت قصير، ومن ثم الدعوة إلى إجرائها سريعاً على أن تشرف عليها الحكومة الحالية، بشرط أن يكون هذا القانون عادل على كافة المستويات، عبر تأمين تطبيق مبدأ المناصفة بشكل فعلي، كون المجلس الجديد من المفترض أن يكون بمثابة مجلس تأسيسي، والقدرة على تأمين تمثيل حقيقي لمختلف المكونات السياسية.
بالنسبة إلى هذه المصادر، هذه هي الخطوة الأولى على طريق تأمين خروج البلاد من الدائرة المغلقة التي تدور فيها، كون المجلس النيابي الجديد سيستند إلى شرعية شعبية لا غبار عليها، على عكس المجلس الحالي الممددة ولايته مرتين، تعطيه القدرة على إنتخاب رئيس جديد، ومن ثم تأليف حكومة يكون على رأس قائمة أولوياتها وضع مشاريع حقيقية لمحاربة الفساد وتطوير النظام السياسي، إنطلاقاً من تطبيق البنود الإصلاحية في إتفاق الطائف بالحد الأدنى، طالما أن الأخير لا يزال يشكل نقطة إنطلاق تحظى بموافقة أغلب القوى السياسية.
وتشدد هذه المصادر على أن أي حل لا يذهب مباشرة إلى أساس المشكلة، لن يكون قادراً على تأمين الإستقرار العام لفترة طويلة، بل على العكس من ذلك سيكون من أسباب ولادة مشاكل جديدة لا تكون في الحسبان، وتؤكد بأن على الطبقة السياسية أن تقتنع أيضاً بأن الإستمرار في السياسات السابقة القائمة على الفساد والمحسوبية لم يعد ممكناً بأي شكل من الأشكال.
في المحصلة، قانون الإنتخاب هو المدخل الوحيد للإصلاح، من دون مغامرة الذهاب إلى المجهول، أو التوافق على رئيس لن يكون قادراً على معالجة الأزمات الفعلية، فهل يخرج الحل من طاولة الحوار بين الكتل النيابية؟